فصل: تفسير الآية رقم (72):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (72):

قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (72)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير: فإن منكم الخارج إلى الجهاد عن غير حزم ولا حذر، عطف عليه قوله- مبينًا لما هو من أجلّ مقاصد هذه الآيات من تبكيت المنافقين للتحذير منهم، ووصفهم ببعض ما يخفون، مؤكدًا لأن كل ما ادعى الإيمان ينكر أن يكون كذلك-: {وإن منكم} أي يا أيها الذين آمنوا وعزتنا {لمن ليبطئن} أي يتثاقل في نفسه عن الجهاد لضعفه في الإيمان أو نفاقه، ويأمر غيره بذلك أمرًا مؤكدًا إظهارًا للشفقة عليكم وهو عين الغش فإنه يثمر الضعف المؤدي إلى جرأة العدو المفضي إلى التلاشي.
ولما كان لمن يتثاقل عنهم حالتا نصر وكسر، وسبب عن تثاقله مقسمًا لقوله فيهما: {فإن أصابتكم مصيبة} أي في وجهكم الذي قعدوا عنه {قال} ذلك القاعد جهلًا منه وغلظة {قد أنعم الله} أي الملك الأعظم، ذاكرًا لهذا الاسم غير عارف بمعناه {عليّ إذ} أي حين، أو لأني {لم أكن معهم شهيدًا} أي حاضرًا، ويجوز أن يريد الشهيد الشرعي، ويكون إطلاقه من باب التنزل، فكأنه يقول: هذا الذي هو أعلى ما عندهم أعدُّ فواته مني نعمة عظيمة. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{ليبطئن} ونحوه مثل {فلننبئن} و{لنبوّئنهم} بالياء الخالصة: يزيد والشموني وحمزة في الوقف. {كأن لم تكن} بالتاء الفوقانية: ابن كثير وحفص والمفضل وسهل ويعقوب. الباقون بياء الغيبة {يغلب فسوف} وبابه نحو {أن تعجب فعجب} [الرعد: 5] {اذهب فمن تبعك} [الإسراء: 63] مدغمًا: أبو بكر وحمزة غير خلف وعلي وهشام. {ولا يظلمون} بالياء التحتانية: ابن كثير، وعلي وحمزة وخلف وهشام ويزيد وابن مجاهد عن ابن ذكوان. الباقون بتاء الخطاب {بيت طائفة} مدغمًا: أبو بكر وحمزة.

.الوقوف:

{جميعًا} o {ليبطئن} ج لابتداء الشرط مع فاء التعقيب {شهيدًا} o {عظيمًا} o {بالآخرة} ط {عظيمًا} o {أهلها} ج {وليًا} كذلك للتفصيل بين الدعوات {نصيرًا} o {في سبيل الله} ج للفصل بين القصتين المتضادتين {أولياء الشيطان} ج لاحتمال الابتداء وتقدير الفاء واللام. {ضعيفًا} o {الزكاة} ط لأنّ جواب فلما منتظر ولكن التعجب في قوله: {ألم تر} واقع على قوله: {إذا فريق منهم يخشون}. {خشية} ج لانقطاع النظم مع اتفاق المعنى {القتال} ج لأنّ لولا أي هلاّ استفهام آخر مع اتحاد المعمول. {قريب} ط {قليل} ج للفصل بين وصف الدارين. {فتيلا} o {مشيدة} ط للعدول لفظًا ومعنى. {من عند الله} ط للفصل بين النقيضين {من عندك} ج. {من عند الله} ط. {حديثًا} o {فمن الله} ز فصلًا بين النقيضين {فمن نفسك} ط. {رسولًا} o {شهيدًا} o {أطاع الله} ج لحق العطف مع ابتداء بشرط آخر {حفيظًا} ط لاستئناف الفعل بعدها {طاعة} ز لابتداء بشرط مع أن المقصود من بيان نفاقهم لا يتم بعد. {يقول} ط {يبيتون} ج لاختلاف الجملتين مع الاتصال أي إذا كتب الله ما يبيتون فأعرض ولا تهتم. {على الله} ط {وكيلًا} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن قوله: {وَإِن مّنكُمْ} يجب أن يكون راجعا إلى المؤمنين الذين ذكرهم الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ} واختلفوا على قولين:
الأول: المراد منه المنافقون كانوا يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: قوله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطّئَنَّ} تقديره: يا أيها الذين آمنوا إن منكم لمن ليبطئن، فإذا كان هذا المبطئ منافقا فكيف جعل المنافق قسما من المؤمن في قوله: {وَإِن مّنكُمْ}.
والجواب من وجوه:
الأول: أنه تعالى جعل المنافق من المؤمنين من حيث الجنس والنسب والاختلاط.
الثاني: أنه تعالى جعلهم من المؤمنين بحسب الظاهر لأنهم كانوا في الظاهر متشبهين بأهل الايمان.
الثالث: كأنه قيل: يا أيها الذين آمنوا في زعمكم ودعواكم كقوله: {وَقَالُواْ يا أيها الذي نُزّلَ عَلَيْهِ الذكر} [الحجر: 6].
القول الثاني: أن هؤلاء المبطئين كانوا ضعفة المؤمنين وهو اختيار جماعة من المفسرين قالوا: والتبطئة بمعنى الابطاء أيضًا، وفائدة هذا التشديد تكرر الفعل منه.
وحكى أهل اللغة أن العرب تقول: ما أبطأ بك يا فلان عنا، وإدخالهم الباء يدل على أنه في نفسه غير متعد، فعلى هذا معنى الآية أن فيهم من يبطئ عن هذا الغرض ويتثاقل عن هذا الجهاد، فإذا ظفر المسلمون تمنوا أن يكونوا معهم ليأخذوا الغنيمة، وإن أصابتهم مصيبة سرهم أن كانوا متخلفين.
قال: وهؤلاء هم الذين أرادهم الله بقوله: {يا أيها الذين ءامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا في سَبِيلِ الله اثاقلتم إِلَى الأرض} [التوبة: 38] قال: والذي يدل على أن المراد بقوله: {لَّيُبَطّئَنَّ} الابطاء منهم لا تثبيط غيرهم، ما حكاه تعالى من قولهم: {ياليتنى كُنتُ مَعَهُمْ} عند الغنيمة، ولو كان المراد منه تثبيط الغير لم يكن لهذا الكلام معنى.
وطعن القاضي في هذا القول وقال: إنه تعالى حكى عن هؤلاء المبطئين أنهم يقولون عند مصيبة المؤمنين: {قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيدًا} فيعد قعوده عن القتال نعمة من الله تعالى، ومثل هذا الكلام إنما يليق بالمنافقين لا بالمؤمنين، وأيضا لا يليق بالمؤمنين أن يقال لهم: {كَأَن لَّمْ تَكُنِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ} يعني الرسول: {مَّوَدَّةَ} فثبت أنه لا يمكن حمله على المؤمنين، وإنما يمكن حمله على المنافقين، ثم قال: فإن حمل على أنه من الإبطاء والتثاقل صح في المنافقين، لأنهم كانوا يتأخرون عن الجهاد ويتثاقلون ولا يسرعون إليه، وإن حمل على تثبيط الغير صح أيضا فيهم، فقد كان يثبطون كثيرًا من المؤمنين بما يوردون عليهم من أنواع التلبيس، فكلا الوصفين موجود في المنافقين، وأكثر المفسرين حمله على تثبيط الغير، فكأنهم فصلوا بين أبطأ وبطأ، فجعلوا الأول لازما، والثاني متعديًا، كما يقال في أحب وحب، فإن الأول لازم والثاني متعد. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {وإنَّ مِنكم لمن ليبطّئنّ} أي من جماعتكم وعدادكم، والخبر الوارد فيهم ظاهر منه أنَّهم ليسوا بمؤمنين في خلوتهم، لأنّ المؤمن إن أبطأ عن الجهاد لا يقول: {قد أنعم الله عليَّ إذ لم أكن معهم شهيدًا}، فهؤلاء منافقون، وقد أخبر الله عنهم بمثل هذا صراحة في آخر هذه السورة بقوله: {بشّر المنافقين بأنّ لهم عذابًا أليمًا} إلى قوله: {الذين يتربّصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين} [النساء: 138 141].
وعلى كون المراد بـ {من ليبطّئنّ} المنافقين حمَل الآية مجاهد، وقتادة، وابن جريج.
وقيل: أريد بهم ضعفة المؤمنين يتثاقلون عن الخروج إلى أن يتّضح أمر النصر.
قال الفخر: «وهذا اختيار جماعة من المفسرين» وعلى هذا فمعنى و{منكم} أي من أهل دينكم.
وعلى كلا القولين فقد أكّد الخبر بأقوى المؤكّدات لأنّ هذا الخبر من شأنه أن يتلقى بالاستغراب.
وبَطَّأ بالتضعيف قاصر، بمعنى تثاقل في نفسه عن أمر، وهو الإبطاء عن الخروج إبطاء بداعي النفاق أو الجبْن.
والإخبار بذلك يستتبع الإنكار عليه، والتعريض به، مع كون الخبر باقيًا على حقيقته لأنّ مستتبعات التراكيب لا توصف بالمجاز. اهـ.

.قال الفخر:

قال الزجاج: في قوله: {لَمَن لَّيُبَطّئَنَّ} موصولة بالحال للقسم كأن هذا لو كان كلاما لك لقلت إن منكم لمن حلف بالله ليبطئن. اهـ.
قال الفخر:
{فَإِنْ أصابتكم مُّصِيبَةٌ} يعني من القتل والانهزام وجهد من العيش.
يعني لم أكن معهم شهيدًا حاضرًا حتى يصيبني ما أصابهم من البلاء والشدة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} يعني المنافقين.
والتّبطِئة والإبطاء التأخّر، تقول: ما أبطأك عنا؛ فهو لازم.
ويجوز بطأت فلانا عن كذا أي أخرته؛ فهو متعدّ.
والمعنيان مراد في الآية.
فكانوا يقعدون عن الخروج ويُقعِدون غيرهم.
والمعنى إن من دخلائكم وجنسكم وممن أظهر إيمانه لكم.
فالمنافقون في ظاهر الحال من أعداد المسلمين بإجراء أحكام المسلمين عليهم.
واللام في قوله: {لَمَن} لام توكيد، والثانية لام قسم، و{منْ} في موضع نصب، وصلتها {لَّيُبَطِّئَنَّ} لأن فيه معنى اليمين، والخبر {مِنْكُمْ}.
وقرأ مجاهد والنَّخَعي والكلَبْي {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} بالتخفيف، والمعنى واحد.
وقيل: المراد بقوله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} بعض المؤمنين؛ لأن الله خاطبهم بقوله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ} وقد فرَق الله تعالى بين المؤمنين والمنافقين بقوله: {وَمَا هُم مِّنكُمْ} [التوبة: 56] وهذا يأباه مسَاق الكلام وظاهره.
وإنما جمع بينهم في الخطاب من جهة الجنس والنسب كما بيّنا لا من جهة الإيمان.
هذا قول الجمهور وهو الصحيح إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
يدلّ عليه قوله: {فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ} أي قَتْلٌ وهزيمة {قَالَ قَدْ أَنْعَمَ الله عَلَيَّ} يعني بالقعود، وهذا لا يصدر إلا من منافق؛ لاسيما في ذلك الزمان الكريم، بعيد أن يقوله مؤمن.
ويَنْظُر إلى هذه الآية ما رواه الأئمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إخبارا عن المنافقين: «إن أثقل صلاة عليهم صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأَتوْهُما ولو حَبْوًا» الحديثَ.
في رواية «ولو علم أحدهم أنه يجد عظما سَمينا لشهدها» يعني صلاة العشاء.
يقول: لو لاح شيء من الدنيا يأخذونه وكانوا على يقين منه لبادروا إليه.
وهو معنى قوله: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله} أي غنيمة وفتح {لَيَقُولَنَّ} هذا المنافق قول نادم حاسد {ياليتني كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا}. اهـ.

.قال البغوي:

وإنما قال: {مِنْكُم} لاجتماعهم مع أهل الإيمان في الجنسية والنسبِ وإظهارِ الإسلام، لا في حقيقة الإيمان. اهـ.